نص الحوار الصحفي للشيخ د.عبداللطيف آل محمود مع صحيفة اليوم التالي السودانية

رئيس التجمع في حوار صحفي مع صحيفة اليوم التالي السودانية بالخرطوم : جلالة الملك أخرج البحرين من أزمة سياسية واجتماعية.

 

الشيخ عبد اللطيف آل محمود: الفكر الإخواني لم يكن مستعداً لإدارة دولة ولم يكن مؤهلاً حتى.

الخرطوم – سلمى معروف ـ حسن محمد علي

تصوير – عوض الكريم

** الشيخ الدكتور عبد اللطيف آل محمود أحد أبرز الشخصيات السياسية الوطنية في مملكة البحرين التي تتكون من أرخبيل من الجزر الصغيرة المستلقية على حوض الخليج العربي وهي إحدى دول مجلس التعاون الخليجي الست، وبحكم موقعها الجغرافي والتاريخي كمحطة تجارية في الخليج العربي اكتسبت البحرين أهمية اقتصادية وسياسية واستراتيجية بالنسبة لدول الخليج العربي حيث أوجدت تلك الظروف حالة استثنائية من التنوع الطائفي والمذهبي في تركيبتها السكانية جعلت منها أحد أهم ميادين التأكيد على عروبة الخليج في مقابل مشروع إيراني توسعي استطاع أن يكون في البحرين خلايا وتيارات سياسية طائفية لا تخفي ولاءها لإيران حتى أن بعض رموزها وقفوا في دوار اللؤلؤة في أحداث فبراير 2011 في البحرين وأعلنوا عن دعوتهم لإقامة (جمهورية البحرين الإسلامية) وتطبيق نظام ولاية الفقيه في البحرين على غرار نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وأمام تلك التحديات وأمام حشود طائفية  كانت قد تدثرت بغطاء موجة الربيع العربي وقالت إنها تمثل صوت أغلبية الشعب البحريني لإسقاط النظام في 2011 تداعت شخصيات وطنية ودينية تقدمها الشيخ الدكتور عبد اللطيف آل محمود ودعت إلى نفرة شعبية احتشد فيها مئات الآلاف من المواطنين لتعيد التوازن الوطني وتبرز حجم المكون الشعبي الرافض لشعارات دوار اللؤلؤة.

برز نجم الشيخ عبد اللطيف آل محمود بقيادته لذلك الحراك الشعبي في لحظة دقيقة من تاريخ البحرين لعب فيها آل محمود دوراً كبيراً في إحداث التوازن الوطني ففي وقت كانت فيه الحشود الطائفية في دوار اللؤلؤة تزعم أنها تمثل صوت الأغلبية من المواطنين رجحت تجمع الوحدة الوطنية في ساحة الفاتح كفته وأبطلت جماهيره تلك المزاعم وحفظت ذلك البلاغ في سجلات التاريخ كمحاولة طائفية فاشلة لاختطاف البحرين.

الشيخ عبد اللطيف آل محمود رئيس تجمع الوحدة الوطنية ورئيس مجلس إدارة الجمعية الإسلامية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورابطة علماء الشريعة الإسلامية بدول مجلس التعاون الخليجي وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ومجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية.

في زيارته القصيرة للخرطوم قبل أيام جالسته (اليوم التالي) وتصفحت معه بعض تلك الأوراق.. انتقالات مواقف آل محمود من معارض سابق للنظام البحريني في التسعينيات إلى صاحب دور أساسي في إفشال الانقلاب على الحكم في 2011.. مآلات الأوضاع في المنطقة العربية بعدسة الرجل.. مستقبل الحركات الإسلامية في المنطقة.. المصالحة الوطنية في البحرين.. إيران وأمريكا والتطرف .. وغيرها من المحاور:

* الشيخ عبد اللطيف آل محمود.. مرحباً بك في السودان؛ هلا عرفتنا على أسباب زيارتك؟

– علاقتي بالسودان قديمة من خلال منظمة الدعوة الإسلامية وبيننا علاقات وطيدة نخدم من خلالها الشعب السوداني وكذلك شعوب القارة الأفريقية، وزيارتي هذه المرة لحضور اجتماع طارئ للمنظمة التي أنا عضو فيها لمناقشة عدد من القضايا.

* ثمة تشابه بين الواقع السوداني والبحريني .. نريد منك أن تجري لنا مقاربة؟

– الذي يحدث في السودان والبحرين لا يخلو من إطار خطة الشرق الأوسط الجديد التي تعتمد تمزيق الدول العربية والإسلامية، حيث بدأ بعملية فصل جنوب السودان ثم الربيع العربي، فهذه الأحداث التي بدأت في تونس وامتدت إلى مصر وليبيا واليمن وحتى البحرين كانت جزءا من الألعوبة التي كان مخططا لها، ففي البحرين مثلا كان المخطط أن يتم عمل فتنة بين السنة والشيعة فتتدخل المملكة العربية السعودية لإنقاذ السنة وتتدخل إيران لنجدة الشيعة ومن ثم تحدث معركة في الخليج، لكن لأننا كنا على وعي بهذا المخطط الذي بدأ فعليا في العام (2011) خرج شعب البحرين بوحدة أكثر وفشل المخطط.

* لكن يا دكتور أنت على رأس المجموعات التي تنادي بالتغيير والإصلاح السياسي، ما يؤكد أنه مطلب شعبي أكثر منه مخططا ومؤامرة؟

– حتى لا نستبق الأحداث شعب البحرين متعلم وسابق في المنطقة وهو سابق للخليج والمطالبة السياسية بدأت منذ العام (1923) بإقامة مجلس تأسيسي ومجلس شورى قابلتها استجابة من الحاكم العام، هذا الوعي السياسي كان يقف من أجل الوطن، ففي العام (1954) مررنا بمشكلة كان وراءها الإنجليز لجعلها مشكلة تمزق الشعب البحريني لكن اجتماع الشعب البحريني بطائفتيه الأساسيتين أحتوى تلك الأحداث، ولما حصلت البحرين على استقلالها مضت في إحلال النظام الديمقراطي وأنشئ المجلس التأسيسي الذي وضع دستور البحرين، لكن لما بدأت عمليات المطالبة بالتغيير في التسعينيات استغلتها بعض الجهات لأبعاد طائفية، مما دفعني للانسحاب ومضوا هم لحالة صدام مع الحكومة، وأنا كنت مقتنعا بأن هذا الشيء لن يوصلهم إلى نتيجة، ليتبين في ما بعد بعد فشل الانقلاب الذي خططت له إيران في العام (1981) تجدد المخطط مرة أخري في التسعينيات، المخطط والتحرك الطائفي الإيراني أيضا كان يخطط لانقلاب ما بين عامي (2015- 2017)، وكنت أتحرك بصفتي السياسية والوطنية للتفكير في ما يحدث دون انتماء لأي جهة، وبدأنا في البحث فيما يحدث ونراقب وما اتضح لنا أن الشعب أيضا ظل يراقب هو الآخر ولم يكن يري أن هنالك خطرا أو مشكلة كبيرة، لكن لما وقعت أحداث “الدوار” وقتل فيها شخصان، بدأنا نتكلم عن شيء أكثر ما الذي يجب علينا أن نفعله كإسلاميين.

* وإلى ماذا أفضى تصوركم؟

– وضعنا خطتين الأولى أننا قد نحتاج أن يكون هنالك لقاء بين العلماء  لاحتواء الوضع وتم ترشيح عشرة أشخاص من الفريقين، لكن رأينا أن الموضوع قد يكون أكبر من ذلك فوضعنا خطة أخرى لدعوة السياسيين والتجار من كل الأطياف، وفي ظل بحثنا ذلك فوجئنا بولي العهد يطل من التلفزيون ويدعو للحوار، وتساءلنا مباشرة: مع من يكون الحوار؟، وأين القوة؟، ومن سيمثل القوى الوطنية ؟ المهم أننا استجبنا للحوار وحضرت حوالي (50) شخصية، واتفقنا على إصدار بيان بأن يكون لنا وجود في هذا الحوار وفعلا قمنا بإصدار البيان في الصباح، لكننا فوجئنا بهلع في البحرين من جانب المواطنين كان سببه أن هنالك تغييرا في تعامل كثير من الشيعة مع السنة بل ومع حتى الاتجاهات الأخرى وكنا نتعامل وكأننا أصدقاء لكن الآن نتعامل مع ذئاب، ومباشرة قمنا بتفعيل رأي تم طرحه في تلك الأيام بالدعوة لصلاة جامعة لأهل البحرين جميعا، وبالفعل دعونا لها.

* وماذا حدث بعد ذلك؟

– كنا نتصور كم عدد الأشخاص الذين يمكن أن يحضروا خاصة وأن سياسيين قدامى كانوا بيننا وكلفت وقتها بالحديث في تلك الصلاة، وتوقعنا أن يحضر (30) ألفا أما إذا وصلوا إلى (50) الفا فتكون معجزة، وفوجئنا بحضور (300) ألف، ومثل ذلك الحضور مفاجأة كبيرة لنا نحن وكذلك للدولة وللجمعيات التي قادت ذلك وللجميع بمن فيهم السفارات الغربية، ليتضح لاحقا أن هنالك تنسيقا بين السفارات الأمريكية والبريطانية حسب ما كشفت لنا وثائق ويكليكس ويتضح أنهما كانتا طرفين رئيسين في الأزمة البحرينية والتنسيق مع الجمعيات الطائفية وعلى رأسهم مسؤول المخابرات الأمريكي الذي تم سحبه لاحقا من السفارة بالبحرين.

* لكن يا دكتور ما هو المدلول السياسي لذلك الاجتماع؟

– في أوله كان دعوة للهدوء ومعالجة المشاكل وعدم إثارة القلائل ودعوة الحكومة لإجراء إصلاحات سياسية.

* وبرهن على ماذا؟

– برهن على أن الموقف كان حرجا بالنسبة للشعب البحريني.

* وهل كانت مصالحة بحرينية؟

– هذا ما كنا نتمناه لكن في الحقيقة إنه كان انقلابا.

* وهل تواصلت بعد ذلك حواراتكم مع تلك الجمعيات ؟

– نعم عرضنا عليهم دعوة للحوار وجلسنا معهم لقرابة الخمس ساعات لكن في النهاية كانت مطالبهم تعجيزية مثل تغيير الدستور وإنشاء مجلس تأسيسي جديد، والأشد من ذلك اننا وفي اجتماعنا معهم، جاءت الانباء أن قوات درع الجزيرة ستدخل البحرين فقام رئيس تلك الجمعيات وقال: “سوف نطالب إيران بحمايتنا” ليتبين أن القضية ليست إصلاحا داخليا وانما انقلاب.

* الملاحظ أن موقفك السياسي تغير من معتقل في سجون النظام البحريني إلى داعٍ باسمها؟

– أنا أتحرك بصفة وطنية واعتقالي لم يكن بسبب عمل سياسي وانما رأي سياسي فبعد احتلال الكويت كنا نطالب باتحاد خليجي على أساس يكون قوة أمام أي تدخل، ومن ضمن تلك المطالبات كان إجراء إصلاحات، وفي ما بعد فإن أحداث البحرين وبعد مجيء الملك حمد أحدث عددا من التغييرات وشاركنا في عودة الحياة النيابية وألغي نظام أمن الدولة، وطلب من المعارضين العودة وتحققت مطالب الوثيقة النخبوية، وللحقيقة أن الملك أخرج البحرين من أزمة سياسية واجتماعية.

* وهل مازالت المشكلة القائمة؟

– كل ذلك كان عملية إصلاحية لكن الذي حدث في العام (2011) كان احتقانا طائفيا لم نكن نتصوره بتلك الحدة، وهو يرقى لتسميته بالانشقاق.

* هل هنالك أياد خارجية ضالعة في ما يحدث في البحرين؟

– طبعاً.

* ما هي؟

– إيران، العراق، أمريكا، بريطانيا، مع بعض الدول العربية.

* الآن لا يوجد صراع سياسي بل صراع طائفي والتغيير السياسي ينبغي أن يكون بين المنظومات السياسية؟

– أراد هؤلاء الطائفيون من الصراع أن يكون طائفيا لإحداث تصفية للسنة، فبعد استقرار الوضع في العراق عقب الاحتلال الأمريكي وسيطرة الصفويين ، كانت توجه لنا تهديدات بأن البحرين ستكون هي الوجهة القادمة، ونحن كنا واعين لذلك، والقضية الآن التي فوجئ بها الناس أنه بالفعل التحرك طائفي، والخوف الآن ليس على الأشخاص وإنما على البلد، وخروج مئات الآلاف هز الوضع بالبلاد بكاملها، وأذكر أن نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط الأمريكي السيد بوسنس كان يسألني عندما جاء إلى البحرين، كيف استطعتم تجميع كل تلك الجموع في ساعة واحدة؟ وقلت له نحن لسنا منظمين وإنما رب العالمين.. والشعب البحريني خرج ليبطل ذلك.

* وكيف تبدو الأوضاع الآن في البحرين بصورة عامة؟

– الوضع الأمني أصبح مسيطراً عليه، ثانيا أن الملك كان عنده صدق وقال نحن نريد التغييرات ودعا للحوار الشامل بمحاوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحقوقي، وحضر الاجتماع أكثر من ثلاثمائة شخص، ونتجت عنه (192) توصية عمل اتفاق عليها تحتاج إلى تغيير دستوري وإجراءات وتعديلات قانونية، والشعب نفسه ارتاح لهذا التغيير، ولم يكن الطريق مسدودا بل عنجهية من أولئك باسقاط النظام وتبعيته إلى إيران، ودعني أكلمك لماذا وصلت تلك الثورة وقبل قيام الانتخابات بثلاثة أيام دعوا لاستفتاء وأقاموا مراكز لذلك ووصلت الدرجة أن دعا بعض هؤلاء لاستفتاء بتبعية البحرين لإيران أو أن تكون عربية وكان عندهم (34) مركزا وهذا ما دعا الشعب ليخرج للمشاركة في الانتخابات وكانوا يقولون إن المشاركة فيها لن تتجاوز (30%) لكن خرج الشعب ووصلت درجة المشاركة لـ(52%) وأصبح واضحا لدى الشعب البحريني أن هؤلاء يتحركون طائفيا بدعم من إيران وأمريكا.

* هل تتوقع أن يعود الوضع مرة للانفجار أخرى؟

– لا أعتقد ذلك فالسياسات التي اتخذها الملك وصبره الطويل، رغم وجود ضغط وبعد دعوة الحوار دعونا لاستكماله في (2013) إلا أن تلك الجمعيات ظلت تنسحب مرة بعد أخرى.

* لكن ما الذي يجعلك تستبعد انفجار الوضع؟

– الآن الشعب البحريني أصبح واعيا للمؤامرة التي تحاك ضده، ثانيا الذين يناصرون تلك الجمعيات وجدوا أنهم يحرثون في البحر، وأصبحوا غير موثوق فيهم.

* لكن المحور الكبير (إيران) موجود؟

– حتى ولو كان، الشعب البحريني داخليا هنالك تضامن فيما بينه حتى لا ينفجر الوضع، وصلنا إلى مرحلة استقرار لوجود المجلس النيابي المنتخب الجديد، والإصلاحات والتغييرات التي تمت في الجانب السياسي.

* أين تقف المجموعات الأخرى الليبرالية واليسارية ؟

– حتى القوى اليسارية والليبرالية وقفت مع المواقف الوطنية، وقالوا إن هذا التجمع لابد أن يمثلنا فالتجمع عمل على جمع الصف ودعونا لائتلاف الجمعيات السياسية الوطنية بما فيها الإسلامية والليبرالية والبعثية أما اليسار والشيوعيون السابقون، فأغلب هذه الجمعيات يترأسها العنصر الشيعي فانضمت إلى الجمعية الدينية الشيعية.

* كيف هي علاقتك الآن مع النظام الحاكم في البحرين؟

– أنا مواطن لي وجهة نظري ورؤيتي للإصلاح، لست في صراع مع الدولة لأن أي صراع سيؤدي إلى تفكك المجتمع كما رأيناه في ليبيا، العراق، مصر، لابد أن نؤمن بوجود الدولة ومعالجة المشاكل بالحوار، وأسعى لأن يكون لدي برنامج انتخابي وبالفعل قدمته لتجمع الوحدة الوطنية مع زملائي في التجمع، الوحيدون الذين قدموا برنامجا انتخابيا لدينا مشروع سياسي لم نفز في الانتخابات ولكن لا يضر قدمنا برنامجا ووجهة نظر. وبالفعل حينما جاء الملك أخرجنا من عنق الزجاجة، وكان مستعدا دائماً لأي رأي فيه مصلحة البلاد.

* كيف؟

– ملك البحرين وافق على مقترح استفتاء شعبي على الميثاق والدستور في أول اجتماع معه ووافق عليه 98% من الذين مارسوا حقهم في الاستفتاء، البحرين بدأت في الحركة الإصلاحية قبل الدم العربي الذي سال في المنطقة العربية.

* هنالك تراجع لحركة التيار السني والإخوان المسلمين في المنطقة، كيف تعملون في ظل هذه الظروف كأنما انتم مطاردون؟

– أنا مستقل منذ أول حياتي إلى الآن، لم أدخل لا في تنظيم الإخوان ولا السلفيين، وأتعاون مع الجميع، أي عمل لمصلحة البحرين والمجتمع أعمل به، لا أميز، أنا لست مطاردا وفكري ليس مطاردا وليست لدي قوة شعبية يُخشى منها.

* ولكن المنطقة شهدت انقلابات وثورات عرفت بـ(الربيع العربي) كان لها تأثير كبير؟

– عندي رأي أن ما شهده العالم العربي من 2011 إلى الآن قدم أمورا غيرت في الشارع نفسه، لو جئنا لنتحدث عن تأييد هذه الانقلابات والحركات الشعبية لو رجعنا وسألنا هل سيؤيد الناس هذا العمل مرة ثانية بعد ما شهدته مصر ليبيا، سوريا، وما يحدث الآن في اليمن؟، بالتالي الآن هنالك قناعة بأنه لابد أن يكون هنالك توافق على الإصلاح من أجل مصلحة الدول في هذه المرحلة.. خسر الإخوان والسلفيون والدعم لهم تغير، حتى من المملكة العربية السعودية وهذا تغير نتيجة لما حدث في الدول العربية والمنطقة.

* كيف ترى ما تمر به المنطقة العربية الآن؟

– أستشعر خلال الحياة التي عشتها وأنا مولود في الأربعينيات، أشعر وأنا في الخمسينيات أن العالم العربي مر بمراحل تمحيصية ابتلاءات توصلنا إلى تمحيصات، هنالك تمحيص في الأفكار التي كانت في الدول العربية امتدت من الأربعينيات إلى الستينيات، هزيمة 1967 وأنا كنت طالبا في مصر في ذلك الوقت، أعتبرها هزيمة وليست مجرد هزيمة للجيش المصري أو السوري بقدر ما كانت هزيمة للأفكار الكثيرة التي كانت تتناهش الشعوب العربية من اليسار من الاشتراكية من القومية والوجودية، سقطت كل هذه الأفكار وهنالك مرحلة تمحيص ثانية هي مرحلة تمحيص علاقات الدول العربية مع بعضها البعض وحدثت هذه عندما احتل العراق الكويت وظهرت حقيقة العلاقات بين الدول العربية فيما بينها أنها حسابات خاصة ولا تنتمي إلى أمة عربية ذات رسالة واحدة وآمال مشتركة وآلام مشتركة، كل هذا كان مجرد حديث يدغدغ العواطف، والواقع أن علاقات الدول مختلفة ولكل منها مجموعات وتتحين الفرصة ضد الأخرى، بعد ذلك في العام 2003 ظهرت مرحلة تمحيص الطوائف حيث احتلت أمريكا العراق وساندت اتباع ايران على حساب السنة وسلمت الحكم لهم وبدأت تظهر حقيقة أن الثورة في إيران ليست ثورة إسلامية أو دينية ولم يكن يصدقنا أحد، وهذه أقرها الدستور الإيراني الذي يقول إن الإسلام ليس هو دين الدولة والذي يقول المذهب الجعفري، وهذا يوضح أنها قضية طائفية بالدرجة الأولى وظهر بعد ذلك في 2011 عندما انضم العلويون إلى التيار الصفوي والحوثيون الآن، هذه مرحلة تمحيص الطوائف، بعد أحداث 2011 دخلنا في مرحلة تمحيص للجماعات الإسلامية الإخوان والسلفيون وعباد الرحمن والتحريريون وغيرهم.

* الدول تديرها في الحكم مجموعات تستند على الفكر الإسلامي في إدارة الدولة؟

– ثبت أن الفكر الإخواني لم يكن مستعدا لإدارة دولة ولم يكن مؤهلا حتى لإدارة دولة أيضا.. الإشكالية التي لا زالت موجودة أن الكثير من الافكار تعيش على هدم الآخر، وكلما تأتي مجموعة تسيطر على الحكومة وتحاول أن تفرض رؤيتها على الجميع وتأخذ إدارة الدولة كلها لها وهذا خطأ كبير.

* ألا تتخوف أن يؤدي الهجوم على الجماعات الإسلامية الإخوان والفكر السلفي إلى تمدد صفوي يختطف الحكم في المنطقة؟

– التمدد الصفوي مخطط له منذ قديم ونحن كنا نعرف ذلك، الخميني عندما تولى جاء بهدف معين واضح جداً وهو تحريك الصفويين بولاية الخطيب، مع أن الشيعة في عموم التاريخ لا يؤمنون بقيام دولة للشيعة إلا بظهور المهدي عندهم، وعندهم أي دولة تقوم سواء أكانت شيعية أو غير شيعية هي دولة ظلم حتى ولو كانت أقصى العدالة عندها، الفكر الشيعي الأول أن هذه دول ظلم ويجب التعايش معها إلى أن يأتي الإمام بعد ذلك تقوم دولة العدل، الخميني أتى برأي جديد، وهو إلى متى ننتظر هذا القائد الذي لن يحضر؟، من الذي يقوم مقامه؟، واتى بنظرية هي من عنده، وهي أن الفقيه هو الذي يقوم مقام المهدي أو الإمام الثاني عشر إلى أن يقوم، وهذه النظرية غير مسلم بها عند كل النظريات الشيعية، هنالك مرجعيات أخرى لم توافق عليها منها مرجعيات في العراق، لبنان، وفي أفغانستان لا تؤمن بهذا، منهم الشيخ جواد الخالصي لا يؤمن بهذه المرجعية، وشريعتي، أتى بها الخميني وفي حركته كان واضحا ولكن لم يؤبه لهذا، كان يؤمن بأن خمس دخل البترول يجب أن يسخر لنشر هذا الفكر ، 20% تخصص لنشر الفكر الشيعي في العالم، أموال الشاه كلها وضعت في صندوق سمي صندوق الشهداء لدعم الحركة الشيعية في العالم، منذ أن تولى عمل على أن يكون له ممثلون في العالم كله، في أفريقيا أعلم أنه كان له ثلاثة أو أربعة ممثلين في غرب وشرق وجنوب وشمال أفريقيا، وفي الأمريكتين الشمالية والجنوبية وله ممثلون في أوروبا، وآسيا في كل دول العالم له ممثلون يقومون بدراسة الواقع والعمل على نشر الفكر الصفوي، استخدم الأموال لكي يأتي بطلاب من أنحاء العالم للدراسة ونشر الفكر، كانت لديه ألف بعثة سنوية طلاب من العالم يدرسون في (قم) في إيران ليكونوا دعاة لنشر الفكر الصفوي، هذا بدأ من 1980 والآن عمره 35 عاماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *