البحرين وإمكانات استثمار البيئة .. البيئة البحرية أنموذجاً ٢

  
بقلم: د. أسعد حمود السعدون 
نتعرض في هذا المقال للمكون الرابع من مكونات اقتصاديات البيئة البحرية (قطاع السياحة البحرية) ومدى توافر مقوماته في مملكتنا الحبيبة، ومستوى استثمارنا لتلك المقومات، اذ يمثل قطاع السياحة البحرية في العديد من البلدان التي تمتلك اطلالات بحرية قطاعا اقتصاديا مهما ومؤثرا من قطاعاتها الاقتصادية، وعموما توصف السياحة بأنها صناعة المستقبل و قطب الرحى في التنمية المستدامة، وهي واحدة من أهم ثلاث صناعات شكلت القوة الدافعة لاقتصاديات العولمة في القرن الحادي والعشرين (صناعة الاتصالات، وصناعة تقنية المعلومات، وصناعة السياحة) وهي من الصناعات الأكثر تنوعا والأسرع نمواً وتطوراً في العالم. وتلعب دورا اساسياً في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني للكثير من الدول، بحيث اصبح عائدها من الدخل السياحي مصدرا رئيسيا لدخلها القومي، وأنها قطاع يستوعب أعدادا متزايدة من العمالة الوطنية سواء بشكل مباشر في شركات السياحة والفنادق والشقق المفروشة والمواقع السياحية والمرشدين السياحيين وعمالة وطنية غير مباشرة تعمل في القطاعات الداعمة والمكملة للقطاع السياحي مثل القطاع الزراعي والصناعات الغذائية والقطاع العقاري وقطاع النقل والاتصالات وغيرها، وقطاع التسهيلات المساندة لها بجميع أنواعها كالإعلان السياحي والإدارة السياحية والأشغال اليدوية والبنوك، وهي مجال رحب لجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، ومحرك اساسي لبقية قطاعات الاقتصاد الوطني حيث يتشابك القطاع السياحي مع اغلب قطاعات الاقتصاد الوطني ان لم يكن جميعها. فضلا عن الآثار الثقافية والاجتماعية للسياحة على المواطنين عامة والموارد البشرية العاملة فيها بخاصة، سواء في مجالات التدريب والتأهيل واكتساب الخبرات، وتشكيل الثقافة والسلوك الحضاري والذوق العام وغيرها والتي تنعكس بشكل أو بآخر ايجابيا على الاقتصاد والمجتمع الجاذب للسياحة، ولا سيما اذا ما تم التعامل بمنهجية علمية مع الآثار السلبية التي تتمخض عنها احيانا وتتقاطع مع القيم والاعراف والتقاليد السائدة في تلك المجتمعات وذلك من خلال الاستراتيجية الوطنية للسياحة وبما يقود الى المحافظة على البنية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وعلى الموارد الطبيعية والبيئية وصولا إلى تحقيق التنمية السياحية المستدامة التي تعني الارتقاء والتوسع بالخدمات السياحية واحتياجاتها من دون الاستهلاك الجائر لمواردها الطبيعية ومن دون الإضرار بالبيئة. لقد اصبحت السياحة في عالم اليوم واحدة من الحاجات الاساسية لقطاعات واسعة من المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء. والبحر يضفي على السياحة مزايا قلما تتحقق للدول التي لا تمتلك اطلالة بحرية، فهو يوسع مجالاتها وتشابكاتها وأنماطها فلا تنحصر بالتمتع بجمال البيئة البحرية بل تمتد لممارسة أنواع عديدة من الرياضات البحرية، والتمتع بتجربة الصيد البحري، وركوب القوارب، والاسترخاء والاستشفاء تحت الماء، وتناول الاطعمة البحرية الطازجة، والاستمتاع بمناظر الحشائش والطحالب البحرية وغيرها العديدة من المزايا المتفردة. وحيث ان مملكتنا الحبيبة جزيرة تشكل البيئة البحرية نسبة 91% من اجمالي مساحتها الارضية والمائية، وتمتد سواحلها البحرية لنحو (510) كم، وتحيطها مياه الخليج العربي التي تتميز بدفء وملوحة مياهها، مما يمنحها مقومات تنافسية يمكن ان تستثمر في مجالات سياحية عديدة، الأمر الذي يمكن ان يعزز سعيها لتثبيت اقدامها على خارطة صناعة السياحة العالمية في ظل تزايد المنافسة والاهتمام العالمي والعربي والتنافس الخليجي الخليجي لجذب السياح الخليجيين. فمازلنا لم نتمكن من استغلال الشواطئ البحرية وتحويلها الى منتجعات ومجمعات سياحية وزراعتها بمدن للالعاب والمطاعم والمقاهي والاسواق الساحلية فضلا عن تنشيط الرياضات والمسابقات البحرية بأنواعها المتعددة مع الاهتمام بصيانة البيئة البحرية أي حسن استغلالها وعدم السماح بتدميرها، عبر تنظيم هذا الاستغلال بشكل يضمن حاجات السائح والمواطن لمدة طويلة وبما يحقق التنمية السياحية المستدامة إلا بحدود ضيقة جدا، مما يتطلب الاستثمار الواعي والمخطط للفرص المتاحة في هذا القطاع الحيوي، والتمعن والتحسب للتحديات التي يمكن ان يمثلها على البيئة البحرية بشكل خاص والبنية الثقافية والاجتماعية وذلك عبر تنظيم ضوابط ومعايير توجه الاستثمار السياحي من شأنها المحافظة على البنية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وعلى الموارد الطبيعية والبيئية. وإن الامال تتطلع الى تنفيذ قرار مجلس الوزراء الموقر في 29 يونيو 2015 الخاص بإنشاء هيئة البحرين للسياحة والمعارض لينهض بالآمال العريضة في تحويل قطاع السياحة الى قطاع مؤثر في تكوين الناتج المحلي الاجمالي وتنويع مصادر الدخل وتشغيل المواطنين، وذلك يتطلب المزيد من الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجالات تمويل وتنفيذ وتخطيط واتخاذ القرار الخاص بالاستثمار السياحي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *