البحرين وإمكانات استثمار البيئة.. البيئة البحرية أنموذجاً (1)
بقلم: د. أسعد السعدون
تعد البيئة في منظور علم الاقتصاد موردا رأسماليا مركبا، ولأجل الحفاظ على قيمة هذا المورد وتنميته ينبغي منع تدهوره عبر الاستثمار الملائم والآمن والمستدام، بما يؤدي إلى استمرار توفير منافعه للجيل الحالي والاجيال القادمة. وفي مملكة البحرين كان ولم يزل البحر هبة الله جل في علاه لشعب البحرين موردا وأصلا رأسماليا مهما، فالبحرين جزيرة وسط الخليج العربي لذا ارتبطت حضارتها ونهضتها في الماضي والحاضر بمعطياته ووفرة خيراته، وأصبح له أكثر مما لأي قطاع أو ظاهرة اخرى امتدادات وصلات متبادلة وأواصر متينة مع العديد من قطاعات ونشاطات الحياة المختلفة. بل ان جسور البيئة البحرية البحرينية ممتدة حتى مع الأدب والفن والفلكلور والموروث الشعبي، إلا أن تطور الحياة واتساع انماط الاستثمار ولا سيما الاستثماران العقاري والصناعي جعلا البيئة البحرية لمملكة البحرين تواجه تحديات وضغوطا كبيرة تستدعي استجابات مجتمعية مشتركة ومنظمة ومقننة، بل والأهم استثمارات متنوعة ومتكاملة وذات عائد ملموس للمجتمع وللمستثمر على حد سواء، ومن دون أن تؤدي إلى تدمير مكامن الثروة البحرية، سواء في عمق البحر او على السواحل.
وتحافظ على التوازن البيئي وتمنع إحداث تغيرات جوهرية في نوعية وأنماط موارد البيئة البحرية الفيزيائية والبيولوجية ووظائف النظم البيئية، مما يتطلب توافر مستوى ديناميكي من القيادات الادارية البيئية التي تعتمد التخطيط الاستراتيجي البيئي في اختيار انماط الاستثمارات البحرية الملائمة والتخطيط المكاني البحري، وتعتمد سياسات فعالة لتحقيق التعايش المستدام للأنشطة في البحر بالشكل الذي يمنع التلوث البيئي ويضمن تحقيق الاستدامة التي تسعى إلى التوفيق بين مستلزمات التنمية ومتطلبات البيئة وتحد إن لم تمنع من استنزافها. وقد أدركت القيادة الرشيدة للمملكة اهمية تلك الابعاد فأنشأت هيئة وخاصة للبيئة باسم «المجلس الأعلى للبيئة» ليتولى مساعدة حكومة مملكة البحرين في حماية وإدارة بيئتها والمحافظة على مواردها البحرية والطبيعية والحياة الفطرية إضافة إلى التنوع البيولوجي فيها. كما تضمن برنامج عمل الحكومة للسنوات 2015-2018، محورا خاصا بالبيئة والتنمية الحضرية مركزا على تحقيق أولوية الإدارة المستدامة للموارد الاستراتيجية مع تأمين التنمية الحضرية المستدامة. وعموما يتوافر للمملكة إمكانات بيئية بحرية كبيرة لتوطين سلسلة من النشاطات الاستثمارية المتكاملة والمترابطة كالصناعات البحرية، والسياحة والرياضات البحرية، والتجارة والنقل البحري، فضلا عن الصيد البحري.
وفي سلسلة مقالات سنتناول بالتحليل تلك النشاطات مبتدئين بالصناعات البحرية التي تعرف بأنها: مجموعة من الصناعات التي تعنى بتصميم وإنشاء وبناء السفن والقوارب ومختلف أنماط الهياكل العائمة، والمحركات البحرية، وتصميم وإنشاء المنصات البحرية والجزر الصناعية ومحطات تزويد السفن بالوقود، وصناعة إصلاح السفن والخدمات اللوجستية التي يتطلبها النقل البحري. وهي على نمطين أساسيين، الأول: صناعة السفن والهياكل العائمة، والسفن هي كل جسم يطفو على سطح البحر مخصصاً لنقل الأفراد او البضائع او كلاهما. وتتعدد أنواع السفن من حيث الشكل والغرض والحجم ومادة الصنع، فمنها، المصنوعة من الخشب أو الحديد أو الألمنيوم أو الفيبرجلاس أو غيرها. وتختلف استخدامات السفن بحسب أحجامها وأشكالها وتجهيزاتها. ويمكن تقسيم السفن وفقا لأغراضها إلى عدة أنواع منها: ناقلات النفط، ناقلات الحاويات، الركاب، البضائع، العبارات، اليخوت السياحية، سفن الصيد، السفن والقطع الحربية، سفن الابحاث، القاطرات، وسفن اخرى. أما الهياكل العائمة فهي منصات وجسور مثبتة وسط البحار مثل منصات النفط.
أما النمط الثاني من انماط الصناعات البحرية فهو صناعة إصلاح السفن والخدمات اللوجستية، وهي مجموعة من الانشطة الصناعية المتعلقة بصيانة وترميم وتحديث وتجهيز السفن التي تتم بأحواض مجهزة لهذا الغرض وتتضمن: عمليات الصيانة والإصلاح الشاملة، والصيانة الدورية البسيطة، وعمليات صيانة وإصلاح بدن السفينة، عمليات قطع وتشكيل ولحام واستعدال ألواح ومقاطع الصلب، عمليات الصبغ والدهان، صيانة وإصلاح المحركات، صيانة وإصلاح المعدات والاجهزة الهيدروليكية، صيانة وإصلاح الاجهزة الكهربائية، صيانة وإصلاح اجهزة الملاحة وأجهزة الاتصالات وصيانة وإصلاح منظومات السفينة الاخرى.
وقد شهدت الصناعة البحرية في دول مجلس التعاون الخليجي، نمواً متزايداً خلال السنوات الماضية عبر مؤشرات عديدة منها ارتفاع عدد الزوارق واليخوت في دول المجلس من (30 ألف) زورق ويخت عام 2009 إلى اكثر من (50) ألف زورق أواخر عام 2014.
فيما ارتفعت قيمة الأعمال البحرية والمشاريع والمخططات التي تحت التنفيذ من (536) مليار دولار عام 2009 إلى (618) مليار دولار عام 2014. ونما عدد المصانع البحرية المنتجة من (80) مصنعا لبناء السفن بأنواعها عام 2009، إلى (97) مصنعا عام 2014.
فيما ازداد عدد الشركات البحرية لبناء، صيانة، خدمات، تجهيز السفن من (360) شركة الى(411) شركة للمدة 2009-2014. وتقدر حصة المصانع البحرية الخليجية من الانتاج العالمي للصناعات البحرية نحو (15 %) أواخر عام 2013. وعموما فإن ما يميز قطاع الصناعات الخليجية الحديثة للسفن وما يرتبط بها من مكائن وتجهيزات ومستلزمات، انها نهضت بجهود واستثمارات القطاع الخاص مستفيدة من توافر الفرص الاستثمارية في هذا القطاع، والبنية التحتية الملائمة والدعم الحكومي. فما هي حصة وموقع مملكة البحرين على خريطة الصناعة البحرية الخليجية والعالمية؟ ذلك ما سنتعرض له في المقال القادم إن شاء الله.