بقلم د. أسعد السعدون
إثر نشر مقالنا الموسوم «توحيد المرجعيات العقارية مدخل استراتيجي للإصلاح العقاري المنشود» في صحيفة أخبار الخليج بتاريخ الخامس والعشرين من شهر يونيو 2015 وردت لنا العديد من الاتصالات من طيف واسع من المهتمين بالشأن العقاري تطالبنا بالتوسع في توضيح مرئياتنا لموضوع الاصلاح العقاري ولا سيما اننا كتبنا عدة دراسات عن القطاع العقاري البحريني منذ عقد من الزمان منها (موقع القطاع العقاري من النمو الاقتصادي في البحرين عام 2005، القطاع العقاري بمملكة البحرين رؤية تنموية عام 2009، تحديات التنمية العقارية المستدامة بمملكة البحرين ومتطلبات الاصلاح الشامل عام 2013، السياسة العقارية والاسكانية في مملكة البحرين عام 2014 وغيرها) اضافة الى عشرات المقالات في الصحف الوطنية، ومازلنا نتابع ونكتب ونحاضر عن القطاع العقاري، ونقدم المقترحات والمرئيات للجهات المعنية بالشأن العقاري بصفتنا عضو في لجنة القطاع العقاري بغرفة التجارة والصناعة. ونزولا عند رغبة وثقة المهتمين بالشأن العقاري، فإننا سنتناول في سلسلة من المقالات ابرز متطلبات الاصلاح العقاري الشامل في المرحلة الراهنة باعتباره ضرورة لتحقيق التنمية العقارية المستدامة في مملكتنا الحبيبة باعتبار ان القطاع العقاري يمثل الجزء الاهم من البنية الاساسية لأغلب قطاعات الاقتصاد الوطني وأنه يرتبط بعلاقات تشابكية مؤثرة مع مجمل مكوناتها، وهو العامل المشترك بين الاهتمامات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية الراهنة. لذا فإنه حظي في دول مجلس التعاون الخليجي عامة ومملكة البحرين خاصة بأهمية كبيرة من قبل المواطنين والمستثمرين والحكومة عبر مختلف المراحل التاريخية التي مر بها الاقليم. وتصاعد الاهتمام بهذا القطاع مع النمو الذي شهدته قطاعاتها الاقتصادية الاخرى بعد منتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين بعد تصحيح اسعار النفط وارتفاع إيرادات دول المجلس منه ، ولا سيما ان القطاع العقاري يعد مكونا رئيسيا في بنيتها التحتية و يرتبط بعلاقات تشابكية وثيقة مع مختلف قطاعاتها الاقتصادية، وهو رافد مهم للاقتصاد الوطني ومكون رئيسي من مكونات التنمية الحضرية وهو من القطاعات الواعـدة بالنـمو والتطـور نظرا لكثرة وتشابك العوامل المؤثرة إيجابيا عليه، وتعدد القطاعات ذات العلاقة به. ويعد أحد أهم معايير الثروة، فهو مخزن القيمة الرئيسي وأكثر الأنشطة الاقتصادية إقبالا من قبل النخب التجارية والاجتماعية التي تنظر إليه باعتباره سنداً وأداةً للارتكاز والثبات حينما تهتز أسواق التجارة والاستثمار.
أما مفهوم التنمية العقارية المستدامة الذي تسعى المجتمعات للوصول اليها من خلال انفاذ حزمة من الاصلاحات العقارية فهو مفهوم مستخلص من المفهوم الشامل للتنمية المستدامة ، فتعرف على انها تحسين نوعية الحياة في المدينة، ويتضمن ذلك الى جانب البعد العمراني، أبعادا أخرى، كالبعد الاقتصادي، والبيئي، والاجتماعي، والمؤسسي، والسياسي، وفي اطار الحفاظ على استدامة الموارد الرئيسية بما يوازن بين حق الجيل الحاضر وحقوق الاجيال القادمة. والتوازن في التنمية العقارية المستدامة لا يقتصر على البعد الزمني بل يراد به ايضا امتدادها الى مختلف ارجاء البلاد ودون قصرها على مدينة دون اخرى او منطقة بعينها بحيث لا تكون هناك مناطق مهمشة عقاريا وأخرى مترفة. الاهتمام باستدامة التنمية العقارية ، ينطلق وينسجم مع التوجهات التنموية والاصلاحية المعاصرة في التركيز على احتياجات الناس وضمان حقهم في العيش الكريم ببيئة صحية آمنة تتوافر فيها مستلزمات حياتهم وتتاح فيها الخدمات الضرورية لممارسة مقتضياتها بيسر وبأقل كلفة ممكنة. وهذا ما يتضح من نتائج المؤتمر الحادي والعشرين لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية عام 2007 عبر إقراره الخطة الاستراتيجية والمؤسسية المتوسطة الأجل لموئل الأمم المتحدة للفترة 2008 – 2013 والتي تركز على خمسة مجالات عمل رئيسية هي: رصد الواقع الحضري، الشراكات الحكومية مع القطاع الخاص والقطاع المحلي، توفير الإسكان والأراضي بالتكاليف الميسورة، توفير الخدمات الأساسية المتوافقة مع البيئة، التمويل المبتكر للمستوطنات البشرية، والتخطيط والتنظيم والإدارة الحضرية.
وحينما نعكس هذه المفاهيم على مملكة البحرين نجد انها على الرغم من النجاحات المبكرة التي حققتها في هذه المجالات باعتراف عالمي حيث نال رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة الموقر عام 2007جائزة الشرف للإنجاز المتميز في مجال التنمية الحضرية والإسكان من قبل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، الا اننا يمكن ان نشخص العديد من التحديات التي تواجه تحقيق التنمية العقارية المستدامة ، الأمر الذي يتطلب اصلاحا عقاريا شاملا برؤية منفتحة ومتحفزة وبشراكة حقيقية وديناميكية بين القطاعين العام والخاص. تتضمن العديد من المجالات منها (توحيد المرجعيات العقارية، انشاء وتحديث التشريعات والنظم العقارية، تكامل وإدماج سياسات القطاع العقاري الاسكاني والقطاع العقاري التجاري والاستثماري، اعادة هيكلة الاصول العقارية الجامدة، التنويع في حلول المشكلات العقارية والاسكانية، ادماج البعد البيئي في التخطيط العقاري، تحديث البنية التحتية العقارية، مأسسة وتفعيل الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في المجال العقاري، تنظيم الشراكة بين القطاع العقاري والقطاع المالي والمصرفي، اشاعة ثقافة عقارية جديدة، انشاء مرصد عقاري وإشهار مؤشر عقاري وطني ودراسة امكانية اقامة بورصة عقارية ، تنظيم عمليات التفاعل والحوار بين الاطراف الفاعلة في القطاع العقاري، انشاء معهد للتدريب والدراسات والأبحاث العقارية وغيرها من المجالات) التي سنتعرض لها بالتفصيل في مقالات قادمة إن شاء الله.