بقلم: د.أسعد حمود السعدون
لا ريب في أن البحرين حصن العروبة ونبراس الجزيرة والخليج العربي في الماضي والحاضر والمستقبل بعون الله وحكمة وشجاعة قيادتها الرشيدة ووفاء شعبها المعطاء تتصدى للعدوان الإيراني. فقد كان لأهل البحرين بقيادة آل خليفة الكرام الدور المميز في التصدي للأطماع الإيرانية في الخليج العربي وتحجيمها عبر التاريخ، والحفاظ على البحرين عربية مستقلة مستقرة عام 1971 رغم جبروت النظام الإيراني آنذاك، وها هو التاريخ يعيد دورته، فعلى الرغم من سقوط الشاه عام 1979 فإن المشروع الإيراني الفارسي الصفوي لم يتغير وظل ينمو ويتصاعد شره وشراره وامتلأت أرضنا العربية الطاهرة بالتنظيمات الموالية لإيران والمدعومة منها لتمارس التخريب السياسي والاجتماعي والفكري من دون خوف أو حياء، من أجل زعزعة استقرار منطقة الخليج العربي بعد أن وفرت لها الظروف الدولية مواطئ قدم في العراق وسوريا ولبنان واليمن وإتاحة فرصة تنفيذ مشروعها التوسعي الصفوي في المنطقة العربية، ضاربة عرض الحائط الأعراف والمواثيق الدولية، وكان نصيب البحرين من التعديات الإيرانية كبيرا، فلم يقتصرعلى التصريحات والتهديدات المعلنة والمستترة والدعم الإعلامي بل امتد الى الدعم العسكري والتدريب النوعي والتخطيط الميداني، وما أعلنه معالي الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية مخاطباً الإيرانيين:
«إنكم متورطون في الإخلال بأمن البحرين، وإنكم دربتم على استخدام الأسلحة والمتفجرات، وإنكم تصدرون إلينا ثقافة الإرهاب، وإنه كلما اتجهت الأمور لدينا إلى الاستقرار والتعافي الوطني عمدتم إلى إثارة القلاقل والتصعيد من خلال تدخلاتكم في شأننا الداخلي» ما هو إلا جزء يسير من الممارسات العدوانية الإيرانية المباشرة وغير المباشرة، وهو يمثل حربا على البحرين بكل ما تعني الكلمة، إلا أن بحرين اليوم قلعة العروبة الصامدة كما كانت في الماضي تتكسر على أبوابها نبال العدو، وتكشف فراسة قادتها مخططاته وتحالفاته في الخارج ومع المأجورين في الداخل، تبقى شامخة زاهية رمزا لصمود الأمة، بعد أن تهاوت قلاع عربية عديدة ضحية للحماقات وسوء التقدير وقصر النظر وتكالب المؤامرات. وبناءً عليه فإن مواجهة الموجة الجديدة من بوادر عمليات تصعيد الإرهاب وإذكاء الفتنة بكل معطياتها وبمختلف تجلياتها النوعية والتعبوية، الظاهرة والمستترة، وبأبعاده المتعددة المحلية والإقليمية والدولية تتطلب المزيد من اليقظة الشعبية والقرارات المدروسة والابتعاد عن رد الفعل الآني والمؤقت، بدءًا من ردع وتحجيم دعاة الفتنة ومبرريها في الداخل، وقطع الروافد التمويلية التي تغذيها وعدم الرأفة مع من يتجاوز على الثوابت الوطنية والمشروعية، ومنع السفر الى إيران وعدها دولة معادية، ومطالبة الجمعيات السياسية المرخص بها ليس بالرفض الأدبي المائع للتصريحات والممارسات والتدخلات الإيرانية في الشأن البحريني وإنما إعلان اتخاذ إجراءات تنظيمية لمنع أعضائها من السفر أو الاتصال بالسياسيين أو المراجع الإيرانيين، والتبرؤ من أولئك الذين يشتركون بتلك الأعمال بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقطع العلاقات الاقتصادية معها، وتجميد العلاقات الدبلوماسية، ودعم الشعوب الإيرانية الرافضة لسياسات النظام الإيراني ومساعدتها في نضالها للحصول على حقوقها الوطنية المشروعة واليقظة والحذر من الاحتضان الأمريكي للسياسات الإيرانية والرضا الأوروبي المقرون بتواطؤ العديد من المنظمات الدولية الحقوقية وتخرصاتها وادعاءاتها الكاذبة في نسج وقائع لا أساس لها. فضلا عما يسود قراراتها من ازدواجية المعايير في الصمت عما يحدث من مجازر وتطهير عرقي وطائفي وسياسي في إيران، والتباين والازدواجية فيما تصفه بالإرهاب من أفعال المنظمات والأحزاب، وما تعده جرائم ماسة بالقيم الإنسانية لا تمتد الى ممارسات وانتهاكات وجرائم الأحزاب والتنظيمات المدعومة من إيران. لذا لا بد من مطالبة الدول والمنظمات الدولية والحقوقية بتجريم المنظمات والجمعيات والأحزاب والأشخاص الذين تدعمهم إيران لينشروا الخراب والإرهاب في الدول العربية والإسلامية.
على أن يكون ذلك في إطار قرار خليجي موحد ليعطي ثماره ونتائجه الايجابية الرادعة، والعمل الجاد والمخلص للإسراع في توفير متطلبات اشهار الاتحاد الخليجي باعتباره الرد التاريخي الاستراتيجي الحاسم لكل التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه المنطقة، كما انه المطلب الشعبي الذي يحقق قدرا واسعا من الأمن والاستقرار والتنمية.
وختاما، لا بد من القول إن التصريحات الإيرانية الاستفزازية الجديدة للنيل من أمن واستقرار مملكة البحرين لن تزيد شعب البحرين إلا قوة ومنعة، ومزيدا من الالتفاف حول قيادته الوطنية الرشيدة، فمثلما وقف الشعب خلف قيادته الرشيدة في أحداث فبراير 2011 حينما دفعت إيران عملائها في الداخل لممارسة أبشع صور التخريب والتجزئة الطائفية وصولا الى الانقلاب على الدولة والمجتمع، فقد تصدى لها الشعب بسلاح الوطنية، بسلاح الوحدة في ساحات الفاتح، فأفشل رهانها وفوت عليها فرصة التمزيق الطائفي للمجتمع البحريني، فإنه اليوم بذات السلاح الذي لا يصدأ وبالإرادة التي لا تقهر عبَّر عن المزيد من التلاحم الشعبي للتصدي لمخططاتها العدوانية متكلا على الله ومستندًا على تاريخه المشرق وقضيته العادلة وتطلعه إلى التقدم والنهضة والبناء.