لم يأت حكم محكمة التمييز في البحرين بشأن تثبيت حل جمعية «الوفاق» مفاجئا لأحد، بل ربما هو واحدة من الحلقات الأخيرة في سلسلة معالجة حراك 2011 وتداعياته. وبخروج جمعية «الوفاق» الرسمي من ساحة العمل السياسي العلني البحرينية، وفي ظل غياب جمعية «وعد» من تلك الساحة أيضا، تفقد هذه الأخيرة بعض أكثر اللاعبين حضورا فوق ملاعبها. وفي هذا السياق علينا ملاحظة ما يلي:
• اقتراب موعد الانتخابات النيابية، وما يعنيه ذلك من تأثيرات نتائج انتخابات مجلس 2018 على مستقبل الحراك السياسي البحريني خلال الأعوام الأربعة المقبلة. فبغض النظر عن سلبيات المجلس النيابي الحالي، وبعيدا عن التشنجات التي رافقت تقويم مسيرته خلال السنوات الأربع الماضية، فكل ذلك لا ينفي حاجة البحرين إلى مجلس، وحاجة هذا المجلس إلى قوى سياسية تزوده بالأضراس التي يحتاجها كي يمارس دوره الطبيعي الذي منحه له ميثاق العمل الوطني، وفيما بعد دستور البلاد المعمول به.
• حالة الخمول التي تصل إلى مستوى اليأس، بل ربما الإحباط التي تسيطر على ذهنية المواطن البحريني، وهي انعكاس مباشر وصحيح لنظيرها الذي بحكم سلوك القوى السياسية البحرينية المنظمة، التي بات نشاطها محدودا، بل ربما لا يكاد يذكر. مثل هذه الحالة السلبية، إذا ما قدر لها الاستمرار والانتشار، فمن الطبيعي أن تولد ظواهر سياسية سلبية. وهو أمر لا يمكن ان يقبل به المنطق السياسي.
• ضمور نشاط وتقلص حضور منظمات المجتمع المدني، وعزوف المواطن عن المشاركة في فعالياتها، باستثناء ذلك البعض منها، الذي يقترب من العمل الخيري، أكثر منه العمل المجتمعي. هذا الضمور، إذا ما قدر له الاستمرار، ولفترة طويلة، يولد سلوكا مجتمعيا مدمرا يجرد المجتمع من أقوى عناصر نموه وتقدمه من جانب، ويحرم قوى الحراك السياسي من أقوى مزود لها بالموارد البشرية، وبالمشروعات النضالية. ولعل فيما تشهده انتخابات 2018 لغرفة تجارة وصناعة البحرين الكثير من الدروس والعبر من ناحية، والتحذيرات من ناحية ثانية.
• ترافق كل ذلك مع موجة انحسارات يعاني منها العمل السياسي العربي، وما تفرزه هي الأخرى من عناصر تشاؤم تنذر بتفشي حالة الخمول على المستوى العربي، الأمر الذي من شأنه مضاعفة الحالة السلبية البحرينية، ومن ثم احتمال تفاقمها إلى مستويات يتعذر الخروج منها بالطرق الاعتيادية المتعارف عليها. فمثل هذا التراجع النوعي، الذي يكاد ان يقترب من أزمة حضارية عربية ينذر بمرحلة مستقبلية قادمة، تحتاج إلى أدوات مختلفة قادرة على تفكيك العناصر التي ولدتها، والتعامل معها بطرق مختلفة عن تلك التي ألفناها. طرق تتجاوز الأشكال التقليدية التي عرفها العمل السياسي العربي خلال السنوات التي تمتد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
أكبر خطأ يمكن ان تقع فيه القوى السياسية البحرينية، كي لا نقول العربية، هو قبولها بهذا الواقع، واستسلامها لإفرازاته السلبية المدمرة، ومن ثم فالخطوة الأولى على طريق المعالجة، بعد تشخيص الحالة، هو الرفض المطلق للخضوع لها، او القبول بقوانينها، وكأنما هي مسلمات لا يمكن تجاوزها.
ولو تلفت المواطن يمنة أو يسرة باحثا عن منقذ ينتشله من هذا المأزق، فسوف يجد «تجمع الوحدة الوطنية» يتصدر، ولا نقول يستفرد، قائمة أسماء القوى السياسية التي بوسعها ان تتقدم الصفوف، ويحمل هذه المسؤولية التاريخية، ويشكل، فيما يشكل نواة حراك سياسي بحريني فاعل ومؤثر، يعمل في إطار الدستور، وينشط في نطاق الأطر الشرعية، لكن من منطلقات مختلفة، توفر له تراكماتها، في مراحل لاحقة ما يصبو له المواطن من مجتمع مدني متحضر، بكل ما تعنيه كلمة تحضر من واجبات ومسؤوليات من جانب، وحقوق مشروعة من جانب آخر.
ولكي يتمكن «تجمع الوحدة الوطنية» من التصدي لهذه المهمة الصعبة، والمعقدة، والتاريخية في آن ربما سيجد نفسه مطالبا بالنظر في القضايا التالية:
1. مشروعه السياسي، فهل سيواصل «التجمع» سواء اعترف بذلك أم أصر على النفي، ممثلا لفئة دون سواها من المجتمع البحريني، أم انه قادر على الخروج من هذه الشرنقة الضيقة نحو فضاء المجتمع البحريني برمته. من الطبيعي ان يحمل مثل هذا التمرد الذاتي، فيما لو حصل، بعض الخسائر، لكنها ستكون آنية ومحدودة، ويمكن معالجتها متى ما توفرت الحكمة والإرادة والتصميم.
2. دوائر تحالفاته، التي تحتاج هي الأخرى إلى نسف من الجذور. لقد آن الأون كي يخطو «التجمع» الخطوة التاريخية المطلوبة، فيعيد النظر في تحالفاته السياسية، ومن أوجهها كافة: السياسية، والاجتماعية، بل وحتى الأيدلوجية، ويخرج بتصور وطني قابل للتطبيق، لا يفقده خلفيته الإيدلوجية من جانب، ولا يحرمه من نسج تحالفات أوسع من جانب آخر. مثل هذا المزج بين ما هو محض ذاتي، وبين ما تفرضه الحاجة الموضوعية، بحاجة إلى ذهنية متفتحة، وقرار استراتيجي شجاع.
3. برنامجه الوطني، فهو الآخر لا يحتاج إلى إعادة نظر فحسب، ولكنه ينتظر من يحمله ويروج له كي يتغلغل في صفوف الجماهير البحرينية، فينتقل من الحالة النخبوية المنغلقة إلى الدائرة الجماهيرية اللامحدودة. مثل هذا القرار الجريء سيحدث النقلة النوعية التاريخية التي يحتاج لها «التجمع» التي تأخذ بيده من الغرف المغلقة المحدودة المساحة إلى الشارع البحريني اللامتناهي الأطراف.
مجرد النظر في تلك القضايا، ومعالجتها من زاوية وطنية مسؤولة، ممزوجة بثقة في النفس موضوعية وغير خاملة، بوسعها أن تضع التجمع على طريق التحول من مجرد رقم صغير في معادلة العمل السياسي البحريني، إلى تنظيم مسؤول يحسب حسابه في تلك المعادلة.
حينها فقط سيكتشف «التجمع» انه أمام المسؤولية التاريخية التي ليس من حقه تحاشيها، ولا يملك من خيار سوى التصدي لها، والقيام بما تحتاجه من عمل جاد، وبرامج ناضجة، ومشروع وطني، يليق بتلك المسؤولية التاريخية، ويرقى إلى مستواها.