أما الوقفتان فهما وقفتا شعب البحرين يوم 21/2/2011 ويوم 2/3/2011 التي غيرت الأولى منهما على وجه الخصوص مسار الأحداث فكانت الدرع الداخلي الأول، حيث أثبتت مقاومة القوى الوطنية الشعبية المحبة للبحرين بكل أديانها وطوائفها ومذاهبها وقواها وتوجهاتها السياسية والفكرية للمؤامرة الدولية والإقليمية لما تبين للجميع فيما بَعدُ أبعادُها لإسقاط نظام الحكم في البحرين وتغييره واتباعه لنظام ولاية الفقيه في إيران وإسقاط الحكومة وإلغاء الدستور ووضع دستور جديد وإشاعة الاقتتال الطائفي بين أبناء الشعب البحريني المسالم والمتعايش تنفيذًا للخطة التي وضعتها وتابعت تنفيذها وزارة الخارجية والأجهزة الرئاسية والاستخبارية الأمريكية من بعد هجمات 9/11/2001 بمعاونة ومؤازرة دول الاتحاد الأوروبي جميعها من غير استثناء، وهي الخطة التي عرفت باسم (خريطة الشرق الأوسط الجديد) ووضعت لها وسيلة (الفوضى الخلاقة) وهدفها (تمزيق الدول العربية والإسلامية إلى دويلات على أسس عرقية وطائفية وانتماءات قبلية) واستمر الإعداد لها منذ الموافقة عليها، وبدأ تنفيذها بتقسيم السودان عام 2001 ثم احتلال أمريكا والدول المساندة لها للعراق عام 2003. وكان أوج تنفيذها نهاية عام 2010 بتونس ثم مصر ثم البحرين وبقية الدول التي مرّت بما اسمته الدول القائمة على تلك الخطة الغادرة بـ(الربيع العربي).
أما فضل الله ونعمته على البحرين في هذه الأحداث فتمثلت في أمور:
أولها: التلاحم الشعبي مع القيادة العليا لمملكة البحرين بقيادة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وصاحب السمو الملكي الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي الشيخ سلمان بن حمد ولي العهد ونائب القائد العام لقوة الدفاع.
ثانيها: ظهور تجمع الوحدة الوطنية الذي بدأ بمشاركة حوالي مائة شخصية يوم السبت 19/2/2011 من الجمعيات الخيرية والسياسية الإسلامية والقومية والفكرية وعدد من الشخصيات الوطنية وأصحاب التوجهات السياسية والفكرية الذي مثّل تجمعًا فريدًا في حياة أهل البحرين منذ حصوله على الاستقلال عام 1971 بعيدًا عن التمزقات السياسية والدينية والفكرية فكانت تلك الأحداث داعية لتأليف القلوب يذكرنا بمنّة الله تعالى على الأمة العربية التي هي مركز الإسلام ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في واقعة بدر الكبرى: «وَإِن يُريدوا أَن يَخدَعوكَ فإن حَسبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذي أَيَّدَكَ بِنَصرِهِ وَبِالمُؤمِنينَ وَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِهِم لَو أَنفَقتَ ما فِي الأَرضِ جَميعًا ما أَلَّفتَ بَينَ قُلوبِهِم وَلكِنَّ اللَّهَ ألف بَينَهُم إِنَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ» (الأنفال: 62-63)، وقد اختار المجتمعون في هذا اليوم لجنة عليا لتجمع الوحدة الوطنية مكونة من تسعة عشر عضوًا.
وثالثها: دعت اللجنة العليا لتجمع الوحدة الوطنية عندما بلغتها التهجمات والتهديدات الطائفية من قبل المتآمرين وأنصارهم ضد بقية المواطنين في جميع المؤسسات العامة والخاصة والمطالبات بنزع صور القيادة من المؤسسات العامة دعت بعد صلاة ظهر يوم الأحد 20/2/2011 إلى صلاة جامعة مساء يوم الاثنين 21/2/2011 في ساحات جامع الفاتح، وكان تصور أعضاء اللجنة العليا أن حضور ثلاثين ألفًا (30000) يعتبر نجاحًا للدعوة، أما إن وصل الحضور إلى خمسين ألفًا (50000) فذلك يعتبر معجزة، ولكن الله تعالى بفضله ونعمته على أهل البحرين بلغوا ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين ألفا (350000)، حيث امتلأت ساحات الفاتح عن بكرة أبيها وامتدت طوابير السيارات القاصدة لمركز الفاتح إلى كيلومترات في كل الشوارع المؤدية إلى مركز الفاتح وكثيرون لم يستطيعوا الوصول إلى مركز الفاتح، وتجمع الفاتح الأول غير مجرى الأحداث، فمَن الذي جعل أفئدة هذه الجموع تتوجه إلى محل الاجتماع وتستجيب له؟ إنه الله تعالى بفضله ومنته.
ورابعها: إن أول من اعترف بفضل الله تعالى ومنّته لهذا التجمع على البحرين نظاما وقيادة وحكومة وشعبًا هو صاحب المشروع الإصلاحي جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين -حفظه الله ورعاه- إذ استقبل منظمي هذا التجمع يوم الثلاثاء 22/2/2011 وشكرهم بعد أن شكر الله تعالى على الجهد الذي بذلوه وعلى توفيق الله لهم.
وخامسها: هل نظن أن الذين دبروا هذه المؤامرة على البحرين وغيرها من الدول قد غفلوا عن احتساب ردة فعل المواطنين في البحرين من غير المتآمرين وأعوانهم على الأحداث التي خططوا لها، وهي دول كبرى وأجهزة استخبارات عالمية لها سوابق في تغيير الحكومات وقيادة الانقلابات ولها تدخلات في شؤون كثير من الدول في العالم بعد دراسات متعمقة لما يخططون له؟ بالطبع لا وألف لا، ولقد درسوا ردة الفعل التي يمكن أن تحدث، وكانت نتيجة دراستهم بما أوحى إليهم المتعاونون معهم والكارهون للبحرين العربية المستقلة ولنظامها ولقيادتها وكان الإجماع عندهم أن غير المتآمرين وأعوانهم لا يتوقع منهم الوقوف ضد هذه المؤامرة بل توقعهم أن يجدوا من بينهم مشجعين، كما حصل في العراق، ولذلك ذهلوا من ردة فعل المواطنين البحرينيين الوطنيين، وكان هذا واضحا في مقابلة السيد مايكل بوسنر مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان لممثلي تجمع الوحدة الوطنية يوم 27/2/2011 عند ما طرح سؤاله في آخر المقابلة كيف استطعتم أن تجمعوا هذا العدد الكبير في هذا الوقت القصير؟ وكان الجواب له: إن الله تعالى هو الذي جمع كل هؤلاء في هذا الوقت القصير.
وسادسها: أُلقي في روع المتابعين بتنفيذ المؤامرة على البحرين أن التجمع الذي حصل يوم 21/2/2011 لا يمكن أن يتكرر، ولذلك استمر العصيان المدني وازداد حدة الهجوم من قبل المتآمرين وأعوانهم على غيرهم وعلى المؤسسات العامة، وهو ما دعا اللجنة العليا لتجمع الوحدة الوطنية إلى الدعوة للوقفة الثانية يوم 2/3/2011. وكانت الاستجابة للوقفة الثانية أكثر من الأولى، وكان السيد مايكل بوسنر مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان في تلك الليلة في السفارة الأمريكية في المنامة، وعندما علم بتلك الجموع المتكاثرة وتحت ضغوط وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل -طيب الله ثراه- في تلك الليلة طالب المتآمرين وأعوانهم بالدخول في الحوار الذي دعا إليه ولي العهد صاحب السمو الملكي الشيخ سلمان بن حمد، وغادر البحرين متوجهًا إلى بلاده بعد أن قضى في المنطقة العربية ثلاثة أسابيع متوالية يتابع تنفيذ المؤامرة على الدول العربية التي حدثت فيها الاضطرابات، كما أخبرني هو بنفسه في مقابلة أخرى.
وسابعها: أن إحباط المؤامرة على البحرين قد أوقف ما كان يخطط له بنقل الفوضى إلى المملكة العربية السعودية التي هي الركن الركين للعرب والمسلمين، فقد كانت خريطة الشرق الأوسط الجديد تخطط لتقسيم المملكة العربية السعودية إلى ثلاث دول على الأقل.
وثامنها: أن هذا الفضل والمنة من الله تعالى على البحرين -وأفضاله ومننه على البحرين كثيرة لا تعد ولا تحصى- يضاف إلى أبرز هذه الأفضال والمنن التي منها:
أ – أن أهل البحرين من عبدالقيس من أوائل من أسلموا طوعًا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أسلم من بعده المنذر بن ساوى وقومه عندما وصله كتاب رسول الله صلى الله عيه وسلم يدعوه فيه إلى الإسلام بعد الهجرة.
ب – أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رحب بوفدهم عندما قدموا إليه وقال لهم: «مرحبًا بالوفد أو قال بالقوم غير خزايا ولا ندامى» كما جاء في صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى، ومدحهم ودعا لهم فقال: «اللهم اغفر لعبد القيس، إذ أسلموا طائعين غير كارهين، غير خزايا ولا موتورين، إذ بعض قومنا لا يسلمون حتى يخزوا ويوتروا». وابتهل وجهه حتى استقبل القبلة ثم دعا لعبد القيس فقال: «إن خير أهل المشرق عبدالقيس» كما رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
ج – أن أول جمعة بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في مسجد عبدالقيس بجواثى من البحرين، كما رواه البخاري رحمه الله تعالى بسنده عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه.
د – أن أكثر مال جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كان من البحرين، فقد روى البخاري -رحمه الله تعالى- بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فقالَ: «انْثُرُوهُ فِي المَسْجِدِ». وَكانَ أَكْثَرَ مالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ.
هـ – لم يرتد عبدالقيس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ارتد كثير من العرب حتى إنه لم يكن يسجد لله تعالى في بسيط الأرض إلا في ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام بمكة المكرمة، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، ومسجد عبدالقيس في البحرين في جواثى، كما جاء مفصلا ومسندًا في كتاب مسند البحرين للدكتور حسن الحسيني.
و – ونضيف إلى هذه الفضائل لأهل البحرين وقفتي الفاتح من أهل البحرين ضد المؤامرة الدولية والإقليمية والداخلية، والتي أفشلت مخطط إشاعة الفوضى وتقسيم المملكة العربية السعودية فكل ذلك من فضل الله تعالى ومنته.
عندما أركز على وقفتي الفاتح فإني لا أقلل من الجهود التي بذلتها القيادة والسلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية وقوى الأمن الوطني وقوة الدفاع والحرس الملكي وجهود جماهير محبي البحرين كل بمقدار جهده داخل البحرين، ولا أقلل من قيمة دخول درع الجزيرة العربية من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ولكني أذكّر فالذكرى تنفع المؤمنين.
أما التحذير من الكفر بنعمة الله وفضله على أهل البحرين من وقفتي الفاتح فلأن الكفر بنعمة الله تعالى ومننه يتخذ أشكالاً متعددة، منها إنكار حدوث النعمة، ومنها كتمانها عند الحاجة لإظهارها، ومنها التقليل من شأنها، ومنها عدم شكرها، وكل ذلك له عواقب وخيمة على من كفر بنعم الله وفضله وعلى المجتمع، فقد أنكر الله على قريش ما حباهم به من نعمة الأمن والأمان الذي جعله الله للبيت الحرام وخصهم به فقال سبحانه: «أَوَلَم يَرَوا أَنّا جَعَلنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَولِهِم أَفَبِالباطِلِ يُؤمِنونَ وَبِنِعمَةِ اللَّهِ يَكفُرونَ» (العنكبوت: 67)، كما حذّر من كتمان فضل الله تعالى بالعذاب المهين بقوله سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ مُختالاً فَخورًا، الَّذينَ يَبخَلونَ وَيَأمُرونَ النّاسَ بِالبُخلِ وَيَكتُمونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَأَعتَدنا لِلكافِرينَ عَذابًا مُهينًا» (النساء: 36-37)، كما حذرنا من أولئك الذين يلجأون إلى الله تعالى عند الشدة وينسونه إذا ذهبت فضرب لهم المثل بقوله تعالى عن قوم: «هُوَ الَّذي يُسَيِّرُكُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ حَتّى إذا كُنتُم فِي الفُلكِ وَجَرَينَ بِهِم بِريحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحوا بِها جاءَتها ريحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ المَوجُ مِن كُلِّ مَكانٍ وَظَنّوا أَنَّهُم أُحيطَ بِهِم دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ لَئِن أَنجَيتَنا مِن هذِهِ لَنَكونَنَّ مِنَ الشّاكِرينَ، فَلَمّا أَنجاهُم إذا هُم يَبغونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغيُكُم عَلى أَنفُسِكُم مَتاعَ الحَياةِ الدُّنيا ثُمَّ إِلَينا مَرجِعُكُم فَنُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ» (يونس: 22-23)، وحذر من أن نكون من أمثال من قال عنهم: «فَإِذا رَكِبوا فِي الفُلكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُم إلى البَرِّ إذا هُم يُشرِكون لِيَكفُروا بِما آتَيناهُم وَلِيَتَمَتَّعوا فَسَوفَ يَعلَمونَ». (العنكبوت: 65-66).
ختامًا: أرجو ألا يقع الخلط بين تجمع الوحدة الوطنية الذي بدأ يوم 21/2/2011 وجمعية تجمع الوحدة الوطنية السياسية التي صرح لها كجمعية سياسية في أواخر شهر يونيو 2011 بناء على قرار صدر من 126 صوتا من بين 182 صوتا من بين أعضاء تجمع الوحدة الوطنية، فتجمع الوحدة الوطنية فضل من الله ورحمة لا يجوز لأحد أن يكفرهما، أما جمعية تجمع الوحدة الوطنية فهي قرار بشري وفق قانون الجمعيات السياسية في البحرين، ليفعل بها كارهوها ما يشاؤون من كيد أو مكر أو محاربة أو تشويه وليجلبوا عليها بالخيل والرَّجِل فكل ميسر لما خلق له، ولا يكون إلا ما كتب الله لنا هو مولانا، وعليه فليتوكل المتوكلون، والله بصير بما تعملون