حقاً نحن في عالم متغير، لم تعد الأمور كما كانت عليه على جميع الصعد ومختلف المستويات، لن اتطرق الى مفهوم وتعريف الرأي العام، فقد تناولته اقلام كثيرة، في مقالات صحفية، ومراجع علمية وندوات ومحاضرات، هنا اتحدث عن التغير الذي طرأ على قيادة الرأي العام، في السابق يطرح الرأي من مفكرين ومثقفين ويناقش حتى تكتمل تفاعلاته، ثم يحتاج إلى قيادة تقوده الى النجاح وفرضه كقضية رأي عام تبنها الشعب قضية تعبر عن مطالبه، في العالم الافتراضي ومع تدفق المعلومات والافكار، يمكن لفكرة ان تتبلور وتشكل رأي عام حتى دون قيادة، فيصبح الرأي العام ذاته قيادة، قادره على احداث الحراك اللازم في الاواسط الشعبية، حدث هذا في الربيع العربي الذي حُوّل الى خريف عربي، والاسباب كثيرة لتحوله الى دمار بدل الاصلاح، ولن أتطرق لهذه الاسباب في هذا المقام،فما يهمنا هو قدرة الرأي العام على التشكل والتبلور في قضية متبناة من الشعب حتى دون قيادة، لاشك ان هذه القدرة لم تكن ممكنة لولا التقدم الهائل في وسائل التواصل التي خلقت العالم الافتراضي، وخلقت معه كل ما هو افتراضي، ولكن يبقى الافتراضي مجرد افتراضي، العالم الافتراضي اليوم موجود، ولكنه ليس كعالمنا المادي الذي نعيشه بتفاصيل وواقعية أكثر من ذاك العالم الافتراضي، الذي وسع التواصل، وضيق معه كل المسافات، ومن هنا برز مصطلح «العالم اصبح قرية كونية» والقصد ليس في مساحته، وإنما في مشتركاتنا في القيّم الانسانية والمعاناة التي تعيشها الشعوب، وتجمع الانسانية في قيم موحدة، وهذه من افرازات العولمة، المصطلح الذي لم يعد بارزاً كما كان سائداً بقوة عند اطلاقة، ورغم اهمية واساسية العلاقة بين المقال وهذا المصطلح، إلا انه بحث آخر ومقام آخر، قد نتطرق اليه في مقالات لاحقة.
الرأي العام بوصفه قائدًا افتراضياً، لم يستطيع اكمال دوره في أي حراك على أرض الواقع، وكان عليه أن يحدد ملامح قادة الحراك، وتنتهي قيادته الافتراضية عند تحول المشهد إلى الواقع، وذلك ليقطع الطريق على المتسلقين والانتهازيين من القفز على القيادة لبلوغ السلطة، التي هي غاية لديهم، وليست هدف لتحقيق غاية الحرية والعدالة ورفع الظلم الذي عانى منه اصحاب الحراك، وهذا ما حدث بالفعل في الربيع العربي، أهل الحراك الحقيقيين أقصوا من قيادة الاصلاح والتغيير، وقفزت احزاب كانت حاضرة في مشهد الظلم الواقع على المجتمع «أفراد واصحاب الحراك الحقيقيين « ولم تستيطع ولعقود من الزمن، أحداث الحراك وقيادته، كما فعلت القيادة الافتراضية للرأي العام، فاحدثت الحراك اللازم لابراز القضية، وهذا يعني ان الارض كانت خصبة، وما تواجد فيها من أحزاب كانت بذور فاسدة لا تثمر!وهذا هو واقع الاحزاب العربية، في مملكة البحرين لدينا تجربة عملية، فقد أسأت الجمعيات السياسية بادائها الرخو إلى الحياة الحزبية والممارسة الديموقراطية الحقيقية، فاستبدلوا بمن هم أسوأ، واستلزم الامر في انتخابات ٢٠٢٢ النيابية، وفي ظل حاجة الشعب لمن يمثلهم تمثيل حقيقي، تكرر مشهد الفكرة وتبلورها، لتشكل رأي عام وقيادة افتراضية، ولكن مع الاسف بدور غير مكتمل مرة أخرى ! فقد كان الهدف « اسقاط اشخاص معينين أو تثبيت آخرين « وليس تقديم بدائل افضل، ربما الوقت الذي تشكلت فيه فكرة اقصاء واسقاط من اساءوا للشعب آني – وقت الانتخابات – ولم يسعف في تقديم البديل الافضل، وربما – وهذا الأهم – عدم استعداد المجتمع وتقبله فكرة الحياة الحزبية وممارسة الديموقراطية من خلالها هو الطريق السليم، نظراً لتجربة سابقة، ولكن الحقيقة ان تجربتنا في مملكة البحرين قصيرة نسبياً، قياساً على الدول العربية التي أخفق فيها الاحزاب، فما يحتاجه اي مجتمع، يمر بهذه الحالة ان لا يكفر بالحياة الحزبية، وانما يكنس من محيطه الاحزاب الهرمة والفاشلة على مدى عقود من الزمن، وقد أثبت العقد الاخير ان أرضه خصبة وتحتاج الى بذور صالحة.