المشهد ما بعد الانتخابات: الصدمة! بقلم: د.علي الصوفي

في مقالي السابق «الى نواب الشعب مع التحية: انتم الان تحت مجهر الشعب فاحذروا» تطرقت الى المشهد الانتخابي وما احتواه من حركة ونشاط من قبل المترشحين، وجعلت نائبين من دائرتنا زينب عبد الامير في السابعة العاصمة ومحمد الرفاعي من الثالثة الجنوبية في محور هذا المشهد لإيصال الجو الانتخابي وما يحتويه من حركة تنافسية وتحديات لعدد كثير من المترشحين وتحليل بسيط للبرامج الانتخابية لهم وكيفية تعاطي المواطن لكذا وعود في حال وصولهم لقبة البرلمان وخصوصا المستقلين منهم وهم للأسف الغالبية العظمى، وأن المواطن اصبح الان اكثر نضجاَ ووعيا في متابعة ومحاسبة نائب منطقته اذا تقاعس عن تنفيذ وعوده الانتخابية أو عجز في تحقيق ولو جزء من برنامجه الانتخابي، خصوصا الملفات الساخنة مثل البطالة والإسكان والتقاعد. وسوف اتطرق في هذا المقال للمشهد ما بعد الانتخابات وتقديم القسم البرلماني للنواب ونشاطهم الاولي بعد سكون غبار الانتخابات ومواجهة التحديات الأولى في العمل.
المشهد في الوهلة الأولى ليس مختلفا حتى الآن عن الدورات السابقة. تشكيلة النواب معظمها من الجدد في الساحة في مواجهة الفريق الحكومي ذو الخبرة الطويلة (ولو معظم الوزراء جدد، ولكن من الجيل الجديد). ثلث البرلمان مكون من نواب تم إعادة انتخابهم من الدورات السابقة، اما الثلثين الاخرين فهم جدد ولا خبرة لهم لا سياسيا ولا برلمانيا، وهناك 6 نواب من جمعيات سياسية (2 من تقدمي، 2 من تجمع الفاتح ونائب رسمي من الاصالة). من المبكر الحكم على هكذا برلمان، ومن العدل الانتظار حتى تتضح ملامحهم في 6 اشهر الأولى ويفوق معظمهم من صدمة الفوز ومواجهة حقيقة العمل البرلماني الحقيقي من مسؤوليات وضغط نفسي كبير، وبالأخص النواب الجدد والجادين لتحقيق مطالب ناخبيهم. فبعد تخطي سجالات وسياسات اختيار الرئيس ونائبيه وتوزيعهم على اللجان العاملة مثل المالية والخدمات والبنية التحتية، بدأ بعض النواب بالشعور بالغرق في (غبة) بحر التحديات التي لم يتوقعها معظمهم مثل برنامج الحكومة غير الواضح الملامح، وتقرير ديوان الرقابة الضخم والمليء ببلاوي المخالفات المتكررة سنويا، وضغط اعمال اللجان المختلفة المشكلة من أعضاء ذو خلفيات وخبرات مختلفة واحيانا متناقضة في التوجهات والأفكار، وأدوات برلمانية تم اضعافها في الدورات السابقة. هذا من طرف ومن طرف اخر ضغط الشارع عليهم من المواطنين المتأثرين من القضايا والملفات المعيشية المختلفة التي وعدوا من النواب لحلحلتها.
كردة فعل أولى لتخفيف هذا الضغط، خرج بعض النواب بأفكار وتعليقات غريبة واحيانا مهينة (ولو من غير قصد)، مثل الفندق في المقبرة وقصة «الكيشر» والذي تفاعل معهما الكثير من المواطنين في الشبكات الاجتماعية وحتى بعض الوزراء الجدد وبشكل سلبي. ومن جانب آخر القاء خطب عاطفية في المناقشات العامة لنشرها على السوشيل ميديا أو توجيه أسئلة برلمانية غير واضحة الأهداف. ولكن هذا ليس بمربط الفرس. ما كنا نتوقعه كما ذكرت وبدل القاء الخطب الحماسية والعاطفية عن مشاكل المواطن واحتياجاته دون ذكر او اقتراح حلول في كيفية معالجة هذه الملفات، هو ان نسمع خطط ومشاريع ومبادرات واقعية في كيفية تنفيذ البرامج الانتخابية التي وعد بها المواطن، من جانب اخر اعلان عن تشكيل كتل قوية للعمل الجماعي لتحقيق الأهداف على مستوى الوطن من ملفات ثقيلة سابقة الذكر، بالإضافة الى تفاهمات مع اطراف وجمعيات سياسية ومنظمات المجتمع المدني. فكما ذكرت في مقالي السابق، بجانب دوره الرقابي والتشريعي هناك دور مهم يغيب عن كثير من النواب أو يتغابى عنه بسبب ضعفه أو قلة خبرته أو عدم أمانته في حلحلة الملفات الكبيرة والمعقدة والحساسة السابق الذكر. فالنائب ليس دوره إيجاد عمل لابن فلان في الدائرة، ولكن التخطيط ودراسة جذور المشكلة بمساعدة فرق متخصصة وإصدار تشريعات والضغط على الحكومة لتنفيذها لحل المشكلة. هكذا نكون قد حللنا ليس فقط مشكلة ابنة فلان، ولكن مشكلة الكثيرين على مستوى الوطن وخصوصا اولئك الذين أصواتهم غير عالية للتعبير عن مشكلتهم. وينسحب هذا على كل الملفات سالفة الذكر. لذلك فمن أضعف الايمان هو والخارجي معا، ومدعومة بخطط ودراسات بمساعدة فنيين ومستشارين في مجالات مختلفة من جمعيات سياسية وفنية ومنظمات المجتمع المدني. وغير ذلك فان فريق النواب سوف يكون مجموعة هواة من اللاعبين في فريق لا يعرف اللاعبين بعضهم البعض مقابل الفريق الحكومي المنظم… وقول السلام على مطالب المواطن.
من جانبنا ما فعلناه في جمعية تجمع الوحدة الوطنية ممثلة بنائبين هما محمد الرفاعي وأحمد قراطة، هو وضع الخطط التنفيذية القصيرة والطويلة الأمد لتحقيق ما وعدنا ناخبينا فيما ورد في برنامجنا الانتخابي ايماننا منا أن من خلال العمل الجماعي يمكن تحقيق الأهداف ولو جزئيا في ضوء التحديات الكبيرة. فكانت لنا عدة جلسات مع عدة نواب بعد فوزهم في الانتخابات لسببين، تهنئتهم ومحاولة التعرف على امكانياتهم السياسية وحتى الإدارية، وثانيا مدى وضوح رؤيتهم واستعدادهم في العمل الجماعي (ككتل) وكيفية التعاطي مع الملفات المعقدة التي تؤرق المواطن المسكين من إسكان وتوظيف، وتقاعد، وضرائب، وأخرى.
خلاصة القول، رسالتي الى النواب الأعزاء والجدد بالأخص، هذه سنة الحزم وتشكيل مستقبلك النيابي. ليس من العيب أن تكون ذو خبرة قليلة في العمل البرلماني كمستجد في الساحة، ولكن العيب في إعطاء ظهرك للناس بعد ان اوصلوك لقبة البرلمان. بغض النظر عن بعض الأصوات والانتقادات في السوشيل ميديا، الشعب صبور ولن يحكم عليك في السنة الأولى بشرط ان تكون دائم التواصل مع الناس في دائرتك، وتكون حاضرا لسماع مشاكلهم وتعمل جاهدا لإيصالها الى المسؤولين ومتابعتها حتى تحل. من جانب آخر تبني علاقات مع كتل وجمعيات ذو خبرة في الساحة لدعم وحلحلة الملفات الكبيرة والمعقدة. فبالعمل المنسق والتخطيط الطويل الأمد تتحقق الأهداف ولو جزء ما وعدته للمواطن. تمنياتي بالتوفيق لجميع النواب.
في المقال القادم سوف أتطرق انشاء الله تعالى الى دور المواطن في كيفية التعامل مع نائب دائرته من متابعة ومحاسبة، على ضوء المستجدات وحركة النواب عندما تتضح شخصيتهم وكفاءتهم في الفصل الاول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *