صدر تقرير الرقابة المالية والإدارية التاسع عشر في موعده واختلف بعض الشيء عن سابقه بانه بدأ باحالة قضايا إلى النيابة. التقرير حدد خمسة انواع من الرقابة شملت الرقابة المالية (والحساب الختامي)، رقابة الالتزام (بالانظمة والقوانين)، رقابة الاداء، التدقيق الاستقصائي (ويتناول البحث عن التجاوزات)، والرقابة التخصصية (معنية بتكنولوجيا المعلومات والامن السيبراني)، بالاضافة الى متابعة تنفيذ توصيات السنة الماضية. حدد الديوان ثمان شركاء للتعاون معها في اعداد التقرير منها السلطات الثلاث والجهات الحكومية، لكنه استثنى منظمات المجتمع المدني من الشركاء الذين يتعاون معهم. استثنى جمعيات الشفافية ونقابات عمالية وجمعيات سياسية ومهنية وصحافة. هذه تمثل المجتمع وينبغي ان تكون اهم شريك في اعداد التقرير ومن الغريب ان يتم استثناؤها من قائمة الشركاء.
بدأ التقرير بالحساب الختامي الموحد للدولة للعام 2021 ومنها الايرادات النفطية وغير النفطية، المصروفات المتكررة، المشاريع، والعجز الفعلي. وفق هذا التقرير فان الدين العام وصل 17 مليار في 31 ديسمبر 2022، (مقارنة 15 مليار في 2020)، ما يعادل 134% من الناتج المحلي الاجمالي، بالاضافة الى اقتراض بعض الوزارات دون ان يدخل ضمن الدين العام. وبذلك بلغت خدمة الدين العام 27% من ايرادات الدولة الواردة في الحساب الختامي. في التعامل مع الدين العام تفترض الحكومة ان البحرين تملك السيطرة على الايرادات وبالتالي القدرة على خفض معدلاته. غير ان الواقع يقول ان الايرادات مرهونة باسعار النفط. وبالتالي فان السيطرة عليه لن تتحقق بالتوازن المالي المطروح ونحتاج الى مقاربة مختلفة.
بلغت الايرادات الفعلية الواردة في الحساب الختامي 2.6 مليار دينار بينما المصروفات كانت 3.57 مليار دينار بعجز فعلي بلغ 952 مليون دينار. مايهم الناس بشكل مباشر هو الصناديق المختلفة منها احتياطي الاجيال القادمة الذي بلغ 627 مليون دولار في نهاية 2021. وحقق ارباحا بنسبة 8% للسنة المالية 2020. وبمقارنة ذلك مع ارباح صندوق التامينات (2% في بعض الحالات) نجدها اعلى بكثير مما يشير الى ضعف كفاءة الاستثمار في صندوق التامينات.
من الملاحظ أن التقرير يتحدث عن تكافؤ الفرص (في المستشفيات الحكومية فقط ص67) لكنه يحصر ذلك في التكافؤ بين الرجل والمرأة وليس تكافؤ الفرص بشكل عام. الفرص ينبغي ان تكون متاحة بنفس القدر للجميع رجال ونساء، ومن فئات المجتمع ككل. أما الحديث عن فرص المرأة فقط فانه غير مبرر ويقود الى عدم المساواة في الفرص والتعيينات والتوظيف.
صحيح ان الرقابة على الالتزام مهمة جدا كونها تراقب تنفيذ القوانين والانظمة والالتزام بالشروط الفنية والمالية والادارية بما يحفظ الارواح والممتلكات والاصول والمال العام والموارد الاخرى، وكذلك حسن استغلالها بما يسهم في بناء التنمية الشاملة المستدامة ومتطلبات التحولات الملازمة لها لنهضة الدولة والمجتمع. غير ان الرقابة على الاداء لا تقل اهمية. في هذا الجانب نجد ان التقرير يعتبر “الاداء” على انه «نسبة ما انجز من توصيات التدقيق السابق» وليس ما تحقق من نتائج ضمن اهداف الوزارات والحكومة بشكل عام ومدى تاثير هذه الاهداف على حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
بالرغم من اهمية الرقابة على الالتزام والاداء فان برامج الحكومة الصادرة لا تشير الى المعايير هذه ولا تضع تعريفات لها يمكن متابعة ما تحقق من تقدم فيها. تقرير الاداء في هذه الحالة يجب ان يرتبط ببرنامج الحكومة ويطالب بوضع معايير يتابع من خلالها مدى تنفيذ البرنامج سنة بعد اخرى. نجد كذلك التقرير يطالب وزارة الصحة بوضع معايير ومؤشرات اداء، ولا يطالب وزارة التعليم بها، ويكتفي بالرقابة على الاصول والنقص في الفصول الدراسية والاكتظاظ دون التعرض للنتائج في جودة التعليم، في حين انه يطالب وزارة الصحة بوضع معايير اداء.
نستخلص من ذلك ان اسباب التراجع في مستوى الخدمات الاسكانية والتعليم والخدمات الطبية التي تحدث عنها التقرير، انما بسبب وجود نقص المدارس ونقص في الوحدات السكنية ونقص في عدد المستشفيات بما يتناسب مع السياسة السكانية المتبعة والتي لم تاخذ في الاعتبار السعة الاستيعابية لهذه المرافق. لذا نجد النقص في الاسرة في المستشفيات وطول الانتظار والاخطاء الطبية الناتجة عنها، كذلك نفس الاشكالية نجدها في اكتظاظ الفصول المدرسية في التعليم وفي تأخير طلبات الاسكان والازدحامات في الشوارع، وارتفاع معدلات البطالة زيادة التوظيف للاجانب في الشركات الحكومية، وكانها معضلات مزمنة.
يبرز من هذا التقرير ان هناك حاجة ماسة وضرورية الى وضع خطط استراتيجية تتسم بالشمولية تاخذ في الاعتبار الزيادة السكانية الطبيعية وغير الطبيعية، وضرورة وضع سياسة سكانية وسياسة لسوق العمل، وسياسة للسيطرة على الدين العام تناقش مجتمعيا ويتم التوافق عليها، مع العلم ان اخر خطة وضعت كانت للفترة 2009-2014. بالاضافة الى ذلك نحتاج الى وضع نظام وطني لتقييم الاداء منفصل عن تقرير الرقابة المالية يترجم الخطة الاستراتيجية الى اهداف تفصيلية ومعايير ومؤشرات. اما الان فيجب ان ننتهز فرصة تقديم الميزانية للمطالبة بوضع اهداف تفصيلية محددة بمعايير مزمنة في برنامج الحكومة. هذه قضية اصبحت ضرورية لمتابعة التنمية وتحقيق الهدف المتعلق باشراك المجتمع في خطط التنمية والتقدم المجتمعي في مختلف المجالات.