في مقالي السابق ” عندما انقشعت الغشاوة وسقطت ورقة التوت” ذكرت كيف ان ما حصل في ٧ أكتوبر لم يصدم الكيان الصهيوني فقط، بل داعميه من الصهاينة الغربيين وعلى رأسهم الشيطان الأكبر والمنافقين من الدول الأوروبية واللذين صدعونا وغرقونا بديمقراطيتهم الكاذبة، وحتى بعض الدول العربية المتخاذلة او التابعة والمطبعة والسائرين الى التطبيع الشائن. رئيس الكيان المجرم العنصري والنازي نتن ياهو (بكسر الاسم) كان يعيش نشوة الفوز وبتعالي كأنه في شهر العسل وعلى عدة مستويات. وكيف انه النتن ياهو وحكومته النازية كانوا في سيارة فارهة، مقدمة من بعض الدول العربية الضعيفة والغرب المنافق ذو التاريخ الأسود من استعمار شعوب العالم وامتصاص دمائهم، متجهة لقضاء شهر عسل … وفجأة وبسرع عالية وفي لحظة الحقيقة ضربت بصاعقة الاهية كأنها آتية من السماء، فحرقت السيارة واخرجتها من الطريق السريع الى الهاوية. الصدمة كانت كبيرة ومخيفة لهذا الكيان المجرم فحولت الحلم الجميل الى كابوس افاقه من الحلم. فعملية مثل 7 أكتوبر واستمرار هذه الهمجية المليئة بالحقد قرابة الثمانية اشهر الى وقت كتابة هذا المقال، لم تكن بردة فعل من أناس سأموا هذه الحياة المذلة من كيان عنصري، بل عملية تم التخطيط والتجهيز لها وتنفيذها من قيادات عبقرية ومنذ سنوات، درست هذا الكيان المجرم وردود فعلها من الحروب السابقة. حتى لو فرضنا ان المقاومة لم تتوقع هكذا ردة فعل عنيفة وارتكاب مثل هذه المذابح والتدمير، فهي كانت تدرك ان الشعب يموت كل يوم، ولكن بطريقة بطيئة وعلى فترات طويلة لا تجذب انظار العالم. وهي تدرك أن النصر آت انشاء الله لا محالة لأنها صاحبة حق وان العدو الى الزوال مهما طال الزمان. فهناك مؤشرات عديدة من محللين سياسيين وعسكريين تؤكد ذلك.
فهذه الحرب رفعت الغشاوة عن عيون الكثيرين حول العلم، ليس العرب والمسلمين فقط، بل الأهم الغرب المسيطر عليها اللولبيات الصهيونية وفي عقر دارهم، ومن جانب آخر أسقطت “ورقة التوت” عن كثير من الأنظمة العربية والإسلامية والتي تعودنا سماع نفاقها وتخاذلها في السنوات الاخيرة، بل الغربية المتشدقة بالدمقراطيات الزائفة والذين صدعوا رؤوسنا بها لسنوات. وعلى العكس، وهذا الجانب الإيجابي او الاختراق الذي عملته المقاومة الباسلة، استفاقت الشعوب من نوم عميق ورفعت عن اعينها غشاوة وضعتها الماكينة الإعلامية الصهيوني العالمية. ليس هذا فحسب، بل لوجود مساحة حريات اكبر في الغرب من دولنا العربية كانت ردة فعل الشعوب الغربية وتفاعلها مع القضية، وفي وجود شبكات التواصل الاجتماعية (وهي نفس الأدوات المستخدمة لتغييب وعيهم)، ظهرت القضية الفلسطينية الى السطح مرة ثانية بعد ان كانت منسية، فانقلب السحر على الساحر. ولم تستطع الماكينة الإعلامية المرئية والالكترونية الموجهة لصالح الكيان وقف تدفق المعلومات والصور والفيديوهات في جميع انحاء العالم رغم كل محاولاتهم لحجبها. ولا ننسى دور التطبيقات الصينية والروسية مثل تك توك في اظهار الحقيقة وكسر الاحتكار الغربي.
الجريمة الصهيوامريكية مستمرة والمقاومة الباسلة مستمرة بأعمالهاالبطولية التي اعجزت الة قتل الأطفال والنساء والتي وصلت الى اكثر من مائة الف بين قتيل وجريح. لسنا هنا في صدد تحليل الحرب وتوقعات نهايتها فهي كثيرة وحتى اليوم الثاني بعد وقف المذابح. ولكن ما يهم هنا وما يجب على كل عربي ومسلم واي انسان حر حول العالم هو كيفية دعم المقاومةبكشف جرائم الاحتلال الصهيوني وداعميه من الصهيونية العالمية. وأود هنا التركيز على التحركات الطلابية حول العالم وبالأخص في الولايات المتحدة، عقر دار الصهيونية العالمية. فالحكومة الامريكية ممثلة من الكونجرس ذو الغالبية الصهيونية والمدعوم من اللوبي الإسرائيلي (AIPAC)، مذعورة من هذا التحرك الطلابي العارم، خصوصا ان هذا التحرك من جامعات مرموقة مثل ام أي تي وستانفورد وكولومبيا، وهي الجامعات التي تخرج قيادات المستقبل في البلاد. لهذا من الضروري وكواجب ديني وانساني ان نحذو حذو هذه التحركات ودعمها بكل الطرقكأضعف الايمان. بهذا ولو بالقليل ولكن على المستوى العالمي التأثير والوقع يكون عظيما كما يحدث الان ونثق باننا مع العالم الحر المنتصرون في وجه الكيان الصهيوني المجرم والامبريالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
من اهم المبادرات والمنصات التي تدعم التحركات الطلابية هي حركة مقاطعة إسرائيل BDS (Boycott-Divestment-Sanction)، أي المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. هي حركة غير عنيفة يقودها الفلسطينيون تعمل على تعزيز المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات الاقتصادية ضد إسرائيل. هدفها هو الضغط على إسرائيل للوفاء بما تصفه حركة المقاطعة بالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي، والذي يُعرف بالانسحاب من الأراضي المحتلة، وإزالة الجدار العازل في الضفة الغربية، والمساواة الكاملة للمواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل. و”احترام وحماية وتعزيز حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم”. يتم تنظيم الحركة وتنسيقها من قبل اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل. في الفقر القادمة اقتبس بعض ما ورد في المنصة.
لماذا نقاطع الجامعات الإسرائيلية؟
لطالما لعبت الجامعات الإسرائيلية دورا هاماً في تبرير الاستعمار المستمر للأراضي الفلسطينية وتشريع التطهير العرقي التدريجي للفلسطينيين، وإعطاء تبرير “أخلاقي” للقتل خارج إطار القانون. كما إن سياسة التمييز العنصري واضحة ومستشرية في الجامعات الإسرائيلية ضد الطلبة “غير اليهود”، أي الفلسطينيين، حيث كشفت دراسة أعدتها منظمة “هيومن رايتسووتش” عام 2001 وجود تمييز عنصري ممأسس ضد الفلسطينيين في نظام التعليم الإسرائيلي، بما في ذلك الجامعات.
لإنهاء هذا الشكل من التواطؤ الأكاديمي في الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني وغيره، أطلقت عام 2004 مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني نداء يدعو لمقاطعة المؤسسات الأكاديميةالإسرائيلية ورفض كافة أشكال التطبيع معها. وقد لبى النداء الكثير من الجمعيات الأكاديمية، بالذات الأمريكية، بالإضافة إلى جامعة جوهانسبورغ التي قطعت في 2011 علاقاتها مع جامعة بن غوريون نظراً لتواطؤها في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، بما في ذلك سرقة المياه الفلسطينية. كما لبت النداء عشرات مجالس الطلبة والنقابات حول العالم ووقع/ت آلاف الأكاديميين/ات في كندا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة والبرازيل وبريطانيا وبعض الدول العربية وغيرها على عرائض تؤيد المقاطعة الأكاديمية للجامعات الإسرائيلية. لزيارة الموقع https://bdsmovement.net/ar
في المقال القادم سوف اتطرق لأوجه أخرى للموضوع وبتفاصيل اكثر عن هكذا تحرك. ونختم المقال بما قاله الشاعر العراقي العظيم أحمد مطر …
قطفوا الزهرة … قالت من وراءى برعم سوف يثور
قطفوا البرعم … قالت غيره ينبض في رحم الجذور
قلعوا الجذر من التربة … قالت إنني من أجل هذا اليوم خبأت البذور
كامن ثأري بأعماق الثرى وغداً سوف يرى كل الورى …
كيف تأتى صرخة الميلاد من صمت القبور
تبرد الشمس ولا تبرد ثارات الزهور …